«حكاية.. حادثة عجيبة!»  قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

الكاتب علاء عبدالعظيم
الكاتب علاء عبدالعظيم

أسير في شارع مقفر، كنت أروح وأغدو فيه حين شاهدت امرأة تأتي في اتجاهي ولم يكن هناك أثر لإنسان آخر في الشارع.

وبالرغم من أن أعمدة الانارة كانت مضاءة في ذلك الوقت إلا أن ضآلة هذا الضوء قد حالت دون تمييز ملامح هذه المرأة، وتخطيتها وأنا أقول لنفسي أنها لابد أن تكون إحدى بنات الليل.

 

وما إن بلغت نهاية الشارع حتى استدرت، وعدت أدراجي ثانية، فاستدارت كذلك وتواجهنا مرة أخرى، قلت لنفسي في هذه المرة أنها قد تكون في انتظار أحد، وشعرت بغريزة الفضول تدفعني إلى معرفة الشخص الذي تنتظره في مثل هذا المكان، وتخطيتها للمرة الثانية. وسرت في طريقي لكنني عندما مررت بها للمرة الثالثة تقدمت منها قائلا:

 

- مساء الخير: هل انت في انتظار أحد

 

أجابت بالنفي، ثم استدركت فأجابت بإيجاب أشبه بالنفي، وسألتها بعد ذلك عما إذا كانت تمانع في مرافقتها حتى يأتيها الشخص الذي هي في انتظاره، فلم تمانع وقالت: إنها لا تنتظر أحدا وأنها تقوم باستنشاق الهواء في ذلك المكان الهادئ.

 

وسرنا جنبا إلى جنب ونحن نطرق شتى الأحاديث التي لا تترتب عليها أية نتيجة، وعرضت عليها ذراعي فرفضت شاكرة، ولم يكن تجولنا معا ممتعا على هذه الصورة طبعا.

 

ولما لم أكن قد رأيت وجهها حتى ذلك الوقت لشدة حلكة الظلام، فقد أشعلت قداحتي لمعرفة الوقت ورفعتها ونظرت إلى وجهها وأنا أقول لها أن الساعة قد بلغت منتصف الليل، ورأيتها ترتجف من البرد فاغتنمت هذه الفرصة وقلت لها:

 

أن البرد يكاد يقضي عليك فما رأيك في الذهاب إلى مكان ما.

 

فرفضت، وسارعت بتقديم اعتذاري ملقيا اللوم على الظلام لارتكابي مثل هذه الهفوة بإشعال قداحتي فجأة في وجهها مما أصابها بالفزع.

 

وسرنا في الشارع جيئة وذهابا، ثم استوقفتها، وعرضت عليها مرافقتها حتى البيت فأجابت..

 

لا.. لا.. لن أسمح لك بذلك لأن البيت بعيدا جدا عن هذا المكان، وخيم الصمت مرة أخرى حتى أقنعتها بتوصيلها إلى البيت ومعرفة عنوانها.

 

وحين بلغنا باب البيت استدارت نحوي لتشكرني على تلطفي بمرافقتها، وفتحت لها الباب فدلفت إلى الداخل متباطئة فحشرت كتفي بلطف بينها وبين الباب ودخلت معها، وما أن أصبحنا وحدنا حتى أمسكت بيدي ولم يجر أحد منا ببنت شفة، والتقينا السلم حتى بلغنا الدور الثالث، فقامت هي بفتح باب الشقة، وقادتني بيدها إلى غرفة أشبه بغرفة استقبال، ورحت استمع إلى دقات ساعة الحائط، والمرأة صامتة وفجأة رأيتها تلف ذراعيها حولي وتقبلني قبلة عاطفية في فمي.

 

ارتجفت أوصالي، وحاولت الاستفسار منها عن شخصيتها أو شخصية زوجها لو كان لها زوج، وعن سر هذه الشقة الفاخرة الأثاث التي تقطن فيها.

 

لكنني كنت لا أكاد افتح فمي لإلقاء سؤال من هذه الأسئلة إلا أنني فوجئت بها تطلب مني الدخول إلى غرفة النوم، واجهشت في البكاء.

 

بينما أنا كنت واقفا على قدمي حتى رأيت أمرا لا يزال يمر بخاطري كالحلم المخيف، حيث فتحت باب غرفة مجاورة وشعرت بتيار بارد يأتي من النوافذ المفتوحة ويسري في عروقي، فلمحت في وسط الغرفة جثمانا مسجى على مائدة مدثرا بالأكفان البيضاء لرجل بلحية بيضاء، ووجه شاحب تعلوه صفرة الموت.

 

اختلجت أنفاسي، وازدادت دقات قلبي، وتملكتني رعشة شديدة من شعر رأسي حتى اخمص قدماي، وانتفضت من فوق السرير على صوت زوجتي توقظني لتناول وجبة الغذاء.